حكاية جميلة عن جنيه مشهور
[img][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/img]هذه القصة حقيقية تحكى صفحة من تاريخ مصر
عندما صدر الجنيه المصري الموضح بالصورة عام 1924 أستقبل الجميع الصورة المطبوعة عليه بدهشة بالغة ولم يستطع أحد التعرف عليها.
فلم تكن الصورة على الجنيه المصري صورة السلطان العثماني الذي ظلت مصر ولاية تابعة له لفترة طويلة ، فقد كانت الدولة العثمانية وقتها تلفظ أنفاسها الأخيرة .
ولم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة مصطفى كامل الرجل الذي بذل سنوات عمره القصيرة ليعلم المصريين أن يكونوا جديرين بمصريتهم وأن يستيقظوا من سباتهم العميق وألا يرضخوا للاحتلال الانجليزى ولا يتقبلوا حكامهم الجائرين.
ولم يكن الجنيه المصري أيضا يملئه صورة الملك الجديد فؤاد الأول بشاربه المبروم وصدره المنتفخ وتلك النياشين التي لا يعلم أحد من أين جاءت ، فقد كان ملكاً غريباً على الجميع فهو واحد من أمراء أسرة محمد على ولكنه أقلهم ذكراً.
ولم تكن صورة والده الخديوي إسماعيل حاكم مصر الساذج المسرف الذي أوقعته دول أوربا في فخ الديون.
ولم تكن صورة أخوه الخديوي توفيق أشهر الخونة الذي قضى على ضباط جيشه الوطنيين ، وقدمهم للمحتل البريطاني. فأي شرف تظهره صورته على الجنيه.
كان على الجنيه المصري صورة شخص غريب لا يعرفه أحد. صورة فلاح مصري لونه يحمل سمرة الجنوب ولحيته يخالطها الشيب ، وعلى رأسه عمامة.
أعتقد الجميع أنها صورة الفلاح المصري الذي طالما وهب حياته لهذا الوادي ، وأن هذا اعتراف متأخر بالجميل لهذا الفلاح.
لكن الأمر كان أبعد ما يكون عن ذلك!!!
قال الأمير "كمال الدين حسين" لوالده وهو ينتفض : لا أريد هذه العرش
نظر إليه والده السلطان "حسين كامل" مذهولاً وهو راقد على فراش مرضه الأخير
ولكن كلمات أبنه ملأته بالغضب ، وقال في مرارة : لقد فعلت كل شئ وقبلت بكل شئ حتى تجلس حضرتكم على هذا العرش.
قال الأمير : لا يهمني ما فعلتم فلن أجلس على هذا العرش الملعون ما دمت حياً
كان أبوه قد قبل الإهانات وقام بالتنازلات وتحمل سخرية الصحف المعارضة وقصائد الزجل المسمومة ونظرات الاحتقار من زوجته و زوجة أبنه والتذلل أمام صغار الموظفين الإنجليز ومقاطعة طلبة المدارس له.
كل هذا قبله السلطان "حسين كامل" مقابل شئ وحيد وهو أن ينتقل العرش من بعده إلى ولده الوحيد "كمال الدين". والآن يقف أبنه الشاب عنيداً ورافضاً لذلك العرش . كانت ملامح أبنه أقرب لشاعر حالم منها إلى أمير تركي عتيد.
وتذكر السلطان لحظة عرض عليه هذا العرش الضائع . كانت بداية الحرب العالمية الأولى ووجدها الإنجليز فرصة لسلخ مصر عن الدولة العثمانية وكانوا يبحثون عن حاكم يطيع أوامرهم بعد أن غادر الحاكم السابق الخديوي "عباس حلمى" مصر ليقف بجانب السلطان العثماني في الحرب ضد الإنجليز.
وانتهت الحرب وخسرت الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا الحرب وخسر أيضا الخديوي عباس عرشه.
في تلك اللحظة لم يكن حسين كامل يريد أن يقبل العرش فقد كان الأمر يعنى الخيانة . فقد كانت زوجته "ملك هانم" تدين بالولاء لأم الخديوي السابق عباس فقد كانت هي من ربتها ، وظلت زوجته تذكره بأن قبوله للعرش هو نوع من الخيانة. أيضا زوجة أبنه الوحيد "كمال الدين" كانت أبنه الخديوي السابق عباس ، وكانت هي أيضا ترى أن حماها سيكون الخائن الأكبر إن قبل العرش.
وظل حسين كامل يماطل الإنجليز ،ولكنه أصيب بالذعر عندما علم أن "أغاخان" زعيم الطائفة الإسماعيلية يزور مصر بدعوة من الإنجليز. فقد حسب أن الإنجليز دعوه ليجلس على عرش مصر ،وتلك كانت ستكون كارثة لمصر لذلك تخلى فجأة عن تردده وقبل العرش بشرط واحد وهو أن يرث أبنه الوحيد "كمال الدين" العرش من بعده.
وتحمل حسين كامل ذل الإنجليز له فلم يعطوه لقب "الخديوي" وأعطوه بدل منه لقب "السلطان" ولم يخيروه في اختيار علم سلطنته ولا أعضاء وزارته ولا استقلاله الذاتي ولم يكن عليه أن يطلب. كان واجبه فقط أن يطيع.
والآن هاهو كل ما عمله يتردى وأبنه الأمير العاصي ينصرف من أمامه ولم يبقى للسلطان إلا أن ينتظر الموت وهو يردد لنفسه : غداً سيأخذ عرش مصر كلب من كلاب أسرة محمد على.
وسافر ابنه الأمير الرافض للعرش خارج مصر مع زوجته بعد أن أعلن أنه مسلم ولكن لا وطن له.
وأرسل أبوه رئيس وزرائه رشدي باشا ليرجوه عسى أن يعدل عن رأيه
وفى ناحية أخرى كان الأمير فؤاد على متن سفينة الركاب الإيطالية وهى تستعد لدخول ميناء الإسكندرية.
كان ما يشغل فؤاد وقتها هو كيف يتسلل من السفينة إلى المدينة دون أن يعلم أحد أنه كان يسافر في أدنى درجة بالسفينة دون جناح خاص يليق به كأمير من أسرة "محمد على" وأخ لسلطان مصر.
كان قد هرب من روما من ديون القمار ومن الراقصات التي كتب لهن شيكات بدون رصيد ومن قروض محلات الرهونات. فقد كانت مدمن للقمار والنساء نفس الصفات التي سيورثها لأبنه "فاروق" من بعده.
كان قد قضى عشرون عاماً في روما متسكعاً حتى وصل إلى الإفلاس ولم يبقى له إلى أن يعود للقاهرة ليختفي فى صمت حتى لا يعلم أصحاب الديون في إيطاليا بوصوله.
وكان معه خادمه الأسمر "إدريس الأقصرى" بجلبابه وعمامته الجنوبية فهو الوحيد الذي بقى معه ولم يتخل عنه بعد أن هجره الجميع.
قال له "إدريس" : يا أفندينا لقد رأيت رؤيا أريد أن أقصها عليكم.
ولم يلتفت له فؤاد فما يشغله من هموم أكبر من سماع مجرد حلم تافه لفلاح.
ولكن إدريس أستمر في الكلام وقال : لقد حلمت أنكم أصبحت ملكاً لمصر وجميع الأمراء يقبلون أياديكم وينحنون أمامكم بما فيهم الأمير عبدالمنعم ....
وأنتبه فؤاد فجأة إلى تلك الكلمات المستحيلة ورد على إدريس : لقد كبرت وخرفت يا إدريس.
كان فؤاد يعرف أن السلطان مريضاً ولكن هناك وريث له . وحتى لو لم يورث هناك أيضا في أسرة محمد على من هم أكبر منه سناً وأكثر نفوذاً. كما انه يشعر دائماً بالغربة في هذا البلد الذي لا يجيد لغة أهلها . ولولا الديون التي تطارده لكان قضى كل حياته خارج مصر.
ولكن كلمات إدريس كانت توقظ داخله أمنيه ربما تكون الإنقاذ الوحيد من ورطته ومهانته التي طالت أكثر مما ينبغي.
وبدأ يستعدان للنزول من السفينة وما أن خرجا من الميناء حتى كانت المفاجأة الأولى
فبائع الصحف يصيح : أقرأ المقطم ...أقرأ أخر خبر الأمير "كمال الدين حسين" يتنازل عن العرش.
وتوقف الأمير فؤاد وتابعه إدريس ونظر كل منهما إلى الأخر مذهولاً.
وأشترى فؤاد الجريدة وطلب من تابعة أن يقرأها له فهو لم يكن يجيد قراءة العربية.
وقرأ له إدريس بلهجته الصعيدية وقال له أن الخبر صحيح ، وهناك خبر أخر فالأمير عبد المنعم أكبر أمراء أسرة محمد على سافر لانجلترا.
وهتف فؤاد : لقد ذهب ليطالب بحقه في العرش.
وبقى الأمر مجرد حلم لفؤاد.
وظل فؤاد حبيس في كآبته لا يقدر على التجول أو الذهاب إلى أي مكان فلم يكن أحد من أسرة محمد على يرغب في رؤيته فالجميع يعلم أنه سيأتي لطلب المال.
ولكن فؤاد لم يكن يعلم ما يجرى في الخفاء فطلب الأمير عبد المنعم قوبل بالرفض من قبل الإنجليز فهم يريدون أمير ضعيف يجلس على عرش مصر ليسهل التحكم فيه.
وفى الصباح وصلته دعوة من المندوب السامي مستر "وينجت" الحاكم الفعلي لمصر.
توقف فؤاد أمامه مذهولاً كان قد أرتدي أفضل ما لديه من ملابس وحاول أن يكون معتداً بنفسه ولكن "وينجت" نظر إليه من أخمص قدميه إلى قمة رأسه وقال له فى لهجة صارمة : سنقوم بدفع كل ديونك.
ورد عليه فؤاد بالشكر ولكنه كان يحس في نفسه بالإهانة .
ثم قال له "وينجت" : لقد اختارتك حكومة صاحب الجلالة لتكون ملكاً على مصر. لا تعلن هذا الأمر حتى يموت السلطان. وعليك أن تلتزم بالأوامر التي سنوجهها لك.
أنصرف الأمير الذي أصبح ملكاً وهو مذهول. لدرجة أن المنتظرين بالخارج فى قاعة "وينجت" ظنوا أنه تلقى توبيخاً شديداً من المندوب السامي.
وعاد فؤاد إلى بيته ووجد "إدريس" يصلى صلاة الظهر
وظل واقفاً حتى فرغ من صلاته ثم صاح فيه : انهض يا إدريس بك .
وظل إدريس مذهولاً.
وعاد فؤاد يقول : لقد تحقق حلمك الغريب وسأضع صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي.
و فى يوم 4 يوليو 1924 صدر أول جنيه مصري عن الدولة المصرية المستقلة شكلياً وهو يحمل صورة "إدريس بك الاقصرى" الذي عاش طويلاً حتى شهد سقوط أسرة محمد على والملكية نفسها.
عندما صدر الجنيه المصري الموضح بالصورة عام 1924 أستقبل الجميع الصورة المطبوعة عليه بدهشة بالغة ولم يستطع أحد التعرف عليها.
فلم تكن الصورة على الجنيه المصري صورة السلطان العثماني الذي ظلت مصر ولاية تابعة له لفترة طويلة ، فقد كانت الدولة العثمانية وقتها تلفظ أنفاسها الأخيرة .
ولم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة مصطفى كامل الرجل الذي بذل سنوات عمره القصيرة ليعلم المصريين أن يكونوا جديرين بمصريتهم وأن يستيقظوا من سباتهم العميق وألا يرضخوا للاحتلال الانجليزى ولا يتقبلوا حكامهم الجائرين.
ولم يكن الجنيه المصري أيضا يملئه صورة الملك الجديد فؤاد الأول بشاربه المبروم وصدره المنتفخ وتلك النياشين التي لا يعلم أحد من أين جاءت ، فقد كان ملكاً غريباً على الجميع فهو واحد من أمراء أسرة محمد على ولكنه أقلهم ذكراً.
ولم تكن صورة والده الخديوي إسماعيل حاكم مصر الساذج المسرف الذي أوقعته دول أوربا في فخ الديون.
ولم تكن صورة أخوه الخديوي توفيق أشهر الخونة الذي قضى على ضباط جيشه الوطنيين ، وقدمهم للمحتل البريطاني. فأي شرف تظهره صورته على الجنيه.
كان على الجنيه المصري صورة شخص غريب لا يعرفه أحد. صورة فلاح مصري لونه يحمل سمرة الجنوب ولحيته يخالطها الشيب ، وعلى رأسه عمامة.
أعتقد الجميع أنها صورة الفلاح المصري الذي طالما وهب حياته لهذا الوادي ، وأن هذا اعتراف متأخر بالجميل لهذا الفلاح.
لكن الأمر كان أبعد ما يكون عن ذلك!!!
قال الأمير "كمال الدين حسين" لوالده وهو ينتفض : لا أريد هذه العرش
نظر إليه والده السلطان "حسين كامل" مذهولاً وهو راقد على فراش مرضه الأخير
ولكن كلمات أبنه ملأته بالغضب ، وقال في مرارة : لقد فعلت كل شئ وقبلت بكل شئ حتى تجلس حضرتكم على هذا العرش.
قال الأمير : لا يهمني ما فعلتم فلن أجلس على هذا العرش الملعون ما دمت حياً
كان أبوه قد قبل الإهانات وقام بالتنازلات وتحمل سخرية الصحف المعارضة وقصائد الزجل المسمومة ونظرات الاحتقار من زوجته و زوجة أبنه والتذلل أمام صغار الموظفين الإنجليز ومقاطعة طلبة المدارس له.
كل هذا قبله السلطان "حسين كامل" مقابل شئ وحيد وهو أن ينتقل العرش من بعده إلى ولده الوحيد "كمال الدين". والآن يقف أبنه الشاب عنيداً ورافضاً لذلك العرش . كانت ملامح أبنه أقرب لشاعر حالم منها إلى أمير تركي عتيد.
وتذكر السلطان لحظة عرض عليه هذا العرش الضائع . كانت بداية الحرب العالمية الأولى ووجدها الإنجليز فرصة لسلخ مصر عن الدولة العثمانية وكانوا يبحثون عن حاكم يطيع أوامرهم بعد أن غادر الحاكم السابق الخديوي "عباس حلمى" مصر ليقف بجانب السلطان العثماني في الحرب ضد الإنجليز.
وانتهت الحرب وخسرت الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا الحرب وخسر أيضا الخديوي عباس عرشه.
في تلك اللحظة لم يكن حسين كامل يريد أن يقبل العرش فقد كان الأمر يعنى الخيانة . فقد كانت زوجته "ملك هانم" تدين بالولاء لأم الخديوي السابق عباس فقد كانت هي من ربتها ، وظلت زوجته تذكره بأن قبوله للعرش هو نوع من الخيانة. أيضا زوجة أبنه الوحيد "كمال الدين" كانت أبنه الخديوي السابق عباس ، وكانت هي أيضا ترى أن حماها سيكون الخائن الأكبر إن قبل العرش.
وظل حسين كامل يماطل الإنجليز ،ولكنه أصيب بالذعر عندما علم أن "أغاخان" زعيم الطائفة الإسماعيلية يزور مصر بدعوة من الإنجليز. فقد حسب أن الإنجليز دعوه ليجلس على عرش مصر ،وتلك كانت ستكون كارثة لمصر لذلك تخلى فجأة عن تردده وقبل العرش بشرط واحد وهو أن يرث أبنه الوحيد "كمال الدين" العرش من بعده.
وتحمل حسين كامل ذل الإنجليز له فلم يعطوه لقب "الخديوي" وأعطوه بدل منه لقب "السلطان" ولم يخيروه في اختيار علم سلطنته ولا أعضاء وزارته ولا استقلاله الذاتي ولم يكن عليه أن يطلب. كان واجبه فقط أن يطيع.
والآن هاهو كل ما عمله يتردى وأبنه الأمير العاصي ينصرف من أمامه ولم يبقى للسلطان إلا أن ينتظر الموت وهو يردد لنفسه : غداً سيأخذ عرش مصر كلب من كلاب أسرة محمد على.
وسافر ابنه الأمير الرافض للعرش خارج مصر مع زوجته بعد أن أعلن أنه مسلم ولكن لا وطن له.
وأرسل أبوه رئيس وزرائه رشدي باشا ليرجوه عسى أن يعدل عن رأيه
وفى ناحية أخرى كان الأمير فؤاد على متن سفينة الركاب الإيطالية وهى تستعد لدخول ميناء الإسكندرية.
كان ما يشغل فؤاد وقتها هو كيف يتسلل من السفينة إلى المدينة دون أن يعلم أحد أنه كان يسافر في أدنى درجة بالسفينة دون جناح خاص يليق به كأمير من أسرة "محمد على" وأخ لسلطان مصر.
كان قد هرب من روما من ديون القمار ومن الراقصات التي كتب لهن شيكات بدون رصيد ومن قروض محلات الرهونات. فقد كانت مدمن للقمار والنساء نفس الصفات التي سيورثها لأبنه "فاروق" من بعده.
كان قد قضى عشرون عاماً في روما متسكعاً حتى وصل إلى الإفلاس ولم يبقى له إلى أن يعود للقاهرة ليختفي فى صمت حتى لا يعلم أصحاب الديون في إيطاليا بوصوله.
وكان معه خادمه الأسمر "إدريس الأقصرى" بجلبابه وعمامته الجنوبية فهو الوحيد الذي بقى معه ولم يتخل عنه بعد أن هجره الجميع.
قال له "إدريس" : يا أفندينا لقد رأيت رؤيا أريد أن أقصها عليكم.
ولم يلتفت له فؤاد فما يشغله من هموم أكبر من سماع مجرد حلم تافه لفلاح.
ولكن إدريس أستمر في الكلام وقال : لقد حلمت أنكم أصبحت ملكاً لمصر وجميع الأمراء يقبلون أياديكم وينحنون أمامكم بما فيهم الأمير عبدالمنعم ....
وأنتبه فؤاد فجأة إلى تلك الكلمات المستحيلة ورد على إدريس : لقد كبرت وخرفت يا إدريس.
كان فؤاد يعرف أن السلطان مريضاً ولكن هناك وريث له . وحتى لو لم يورث هناك أيضا في أسرة محمد على من هم أكبر منه سناً وأكثر نفوذاً. كما انه يشعر دائماً بالغربة في هذا البلد الذي لا يجيد لغة أهلها . ولولا الديون التي تطارده لكان قضى كل حياته خارج مصر.
ولكن كلمات إدريس كانت توقظ داخله أمنيه ربما تكون الإنقاذ الوحيد من ورطته ومهانته التي طالت أكثر مما ينبغي.
وبدأ يستعدان للنزول من السفينة وما أن خرجا من الميناء حتى كانت المفاجأة الأولى
فبائع الصحف يصيح : أقرأ المقطم ...أقرأ أخر خبر الأمير "كمال الدين حسين" يتنازل عن العرش.
وتوقف الأمير فؤاد وتابعه إدريس ونظر كل منهما إلى الأخر مذهولاً.
وأشترى فؤاد الجريدة وطلب من تابعة أن يقرأها له فهو لم يكن يجيد قراءة العربية.
وقرأ له إدريس بلهجته الصعيدية وقال له أن الخبر صحيح ، وهناك خبر أخر فالأمير عبد المنعم أكبر أمراء أسرة محمد على سافر لانجلترا.
وهتف فؤاد : لقد ذهب ليطالب بحقه في العرش.
وبقى الأمر مجرد حلم لفؤاد.
وظل فؤاد حبيس في كآبته لا يقدر على التجول أو الذهاب إلى أي مكان فلم يكن أحد من أسرة محمد على يرغب في رؤيته فالجميع يعلم أنه سيأتي لطلب المال.
ولكن فؤاد لم يكن يعلم ما يجرى في الخفاء فطلب الأمير عبد المنعم قوبل بالرفض من قبل الإنجليز فهم يريدون أمير ضعيف يجلس على عرش مصر ليسهل التحكم فيه.
وفى الصباح وصلته دعوة من المندوب السامي مستر "وينجت" الحاكم الفعلي لمصر.
توقف فؤاد أمامه مذهولاً كان قد أرتدي أفضل ما لديه من ملابس وحاول أن يكون معتداً بنفسه ولكن "وينجت" نظر إليه من أخمص قدميه إلى قمة رأسه وقال له فى لهجة صارمة : سنقوم بدفع كل ديونك.
ورد عليه فؤاد بالشكر ولكنه كان يحس في نفسه بالإهانة .
ثم قال له "وينجت" : لقد اختارتك حكومة صاحب الجلالة لتكون ملكاً على مصر. لا تعلن هذا الأمر حتى يموت السلطان. وعليك أن تلتزم بالأوامر التي سنوجهها لك.
أنصرف الأمير الذي أصبح ملكاً وهو مذهول. لدرجة أن المنتظرين بالخارج فى قاعة "وينجت" ظنوا أنه تلقى توبيخاً شديداً من المندوب السامي.
وعاد فؤاد إلى بيته ووجد "إدريس" يصلى صلاة الظهر
وظل واقفاً حتى فرغ من صلاته ثم صاح فيه : انهض يا إدريس بك .
وظل إدريس مذهولاً.
وعاد فؤاد يقول : لقد تحقق حلمك الغريب وسأضع صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي.
و فى يوم 4 يوليو 1924 صدر أول جنيه مصري عن الدولة المصرية المستقلة شكلياً وهو يحمل صورة "إدريس بك الاقصرى" الذي عاش طويلاً حتى شهد سقوط أسرة محمد على والملكية نفسها.